Test Footer 2


مخرجون عالميون: أنطونان أرطـــــــو Antonin Artaud

0 التعليقات

جميل حمداوي

مخرجون عالميون: أنطونان أرطـــــــو Antonin Artaud
الحلقة الأولــــى 
تمهيـــــد : 
يعد المخرج الفرنسي أنطونان أرطو من أهم المخرجين العالميين الذين حاولوا أن ينزاحوا عن الشعرية الأرسطية، والتمرد عن المسرح الغربي ، والبحث عن مسرح مغاير بديل للمسرح الأورپي عبر النبش في الذاكرة الشرقية والمسرح الأنتروپولوجي من أجل مداواة الإنسان الغربي المعاصر المريض بالشبع المادي والمستلب عقلانيا وإنتاجيا ورقميا من قبل الرأسمالية المتوحشة والعقلانية الفجة. وهذه المداواة الدرامية  لن تكون إلا عبر تطهير روحاني وجداني يحرر الإنسان / الراصد من غرائزه الشريرة وانفعالاته التناتوسية وتحرير مكبوتاته بواسطة مسرح القسوة والتعرية الصارخة القاسية لاشعوريا.
هذا، وتعتبر مسرحيات أنطونان أرطو وتنظيراته في الإخراج المسرحي تمهيدا لظهور المسرح التجريدي أو المسرح العابث بعد الحرب العالمية الثانية من القرن العشرين. 
1/ من هو أنطونان أرطو؟ 
ولد المخرج أنطونان أرطو   Antonin Artaud )    ) بفرنسا في 1896م، وقد جمع في مسيرته الحياتية  بين الشعر والتمثيل والتنظير والإخراج. وكان في بداياته شاعرا سرياليا يعاني من الجنون الإبداعي والنفسي والذهني بسبب انفصال الفكر عن اللغة، وقد نشر ديوانا شعريا سنة 1925م بعنوان"L'ombilic des limbes / وسط الكواكب".
و عرف أنطونان أرطو بالتمثيل المسرحي ولاسيما في مسرحية "شهوة جان دارك" لدريير Dreyer  سنة 1928م، والتمثيل السينمائي بدوره في فيلم " صليب الغابة" سنة 1932م.
هذا، وقد قدم أرطو أيضا نظرياته المسرحية الثورية في كتابه الجريء " المسرح وقرينه" سنة 1938م، والذي أعلن فيه عن  آرائه الجديدة في مجال الدراما عن طريق هدم مقومات المسرح الغربي مضمونا وشكلا.
وتعرض أرطو لهزات نفسية واجتماعية كثيرة بعد فشله في الحياة المسرحية والواقعية، فأدخل مصحة الأمراض النفسية برودز    Rodez  من سنة 1943 إلى سنة 1945م. و في سنة 1946م ، كتب رسائل من رودز . وفي 1947م ،ألف كتابا بعنوان" أرطو المومو أو فان كوخ أو انتحار المجتمع". و توفي أنطونان أرطو سنة 1948م عن عمر يناهز 52 سنة كرس معظم سنواته  في خدمة الإخراج المسرحي والتمثيل السينمائي والتنظير المسرحي.  
2/ التصورات الإخراجية:  
جمع أنطونان أرطو  كل تنظيراته المسرحية في كتابه الأول "مسرح القسوة" الذي نشر سنة 1933م، وألحقه الكاتب بعد ذلك بكتابه " Le théâtre et son double / المسرح وقرينه" الذي ألفه سنة 1938م .
 وقدم الكاتب في مصنفه " المسرح وقرينه" مجموعة من التوجيهات المسرحية التي ترفض أن يتحول المسرح إلى مجرد تمثيل وتقليد، بل لابد أن يعود إلى جذوره الاحتفالية والطقوسية البدائية لكي يحرر غرائز الإنسان السلبية المتأصلة فيه، ويحرره من الانفعالات الموروثة ومن مشاعره العدوانية الكامنة والمختفية في وعيه الباطني على المستوى اللاشعورالجماعي. ويؤكد دوﭭينيو ولاجوت في كتابهما" المسرح المعاصر" هذا الطابع السحري لمسرح أرطو:" لقد جعل أرطو بغيبيته الميتافيزيقية مكان الحديث التعويذة والرقية، ومكان الشخوص الأفعال، ومكان القصة الضوضاء واحتدام الحركة والصراخ عن المسرح يرفع الحياة إلى ذروتها...، كما أن الكاتب تخلى عن مكانته للمخرج الذي ارتقى إلى درجة الساحر، وصانع المعجزات".
وما يحمله كتاب أرطو من ملاحظات وتوجيهات إنما هي  في الحقيقة انتقادات تستهدف تقويض المسرح الغربي وهدمه وتدميره؛ لأنه مسرح عقلاني ومادي وحواري يهمل الأشكال الاحتفالية الفطرية والتمظهرات الجسدية والحركية والطقوس الدينية والأسطورية والسحرية، ومرجع أرطو  في ذلك هو تأثره بالمسرح الشرقي الباليني في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي.
و" لم يخطئ جاك دريدا عندما تحدث عن نصوص " المسرح وقرينه" بقوله:" هي تحريضات أكثر مما هي مجموعة إرشادات، نسق من الانتقادات يرج كامل تاريخ الغرب أكثر مما هي رسالة في الممارسة المسرحية". لقد أدرك، فعلا، عمق هذه النصوص التي لم تخلخل بنية المسرح الغربي وحسب، وإنما زعزعت كيان الميتافيزيقا الغربية بكاملها. وليس غريبا أن تكون فصول عريضة من هذا الكتاب مخصصة للمسرح الشرقي بشكل عام وللمسرح الباليني على وجه الخصوص. إن أرطو كان يرسم من خلالها الوجه الآخر للمسرح الغربي، الوجه الذي يتأسس فيه المسرح على"حالة ما قبل اللغة"، الوجه الذي تمحي فيه ملامح تعهر الفكرة وصفائها، وبالتالي طابعها الفيزيقي."
ومن ناحية أخرى، يدعو أرطو إلى مسرح القسوة  الذي  قال عنه بأنه :" كالطاعون على شاكلة هذه المذبحة، هذا الانفصام الجوهري، إنه يطلق الصراعات، ويخلص القوى من أسرها، ويفجر الطاقات والإمكانيات، وإذا كانت هذه القوى سوداء، فليس هذا خطا الطاعون أو المسرح، وإنما خطأ الحياة".
ومن هنا، فمسرح القسوة هو ذلك المسرح الذي يحرر الإنسان من غرائزه العدوانية، ويخلصه من انفعالاته الغريزية اللاشعورية الموروثة عن طريق التطهير القاسي عبر إثارة الخوف والرعب واستخدام الصدمات السيكولوجية الوجدانية الهدامة  و المؤثرة ، والانفتاح على المسرح الأنتروپولوجي والتجارب الشرقية القائمة على السينوغرافيا الدينية والطقوسية والكوليغرافيا الجسدية والتعبير الحركي . ومن ثم، فأرطو يسعى إلى تخريب المسرح الغربي وتدميره واستبداله بمسرح شامل يجمع بين التمثيل والرقص والكلمة والإضاءة والموسيقا  والحركة. وهذا المسرح بهذه المواصفات الأسطورية والطقوسية والسحرية غير موجود سوى في المسرح الشرقي كما يتمثل ذلك واضحا في مسرح الكابوكي والنو اليابانيين والكاتاكلالي الهندي وأوپرا بكين. وبالتالي،  فأرطو في الحقيقة يدعو إلى مسرح بديل وجديد يستخدم:" السحر والأسطورة في التعرية القاسية العنيفة للصراعات المتأصلة في اللاوعي الإنساني الجماعي وهو ما أسماه " بمسرح القسوة"- أي المسرح الذي يقوم على الشكل والحركة والإضاءة ويستبدل بالكلمات " البلاغة الحركية" وربما كان الفرق بين مسرح القسوة الذي أراده أرطو ومسرح الحلم الذي أراده السرياليون هو تركيز أرطو على اللاوعي الجماعي بدلا من اللاوعي الفردي الذاتي للفنان ورغبته في التوسل لتصوير هذا اللاوعي الفردي بالأسطورة بدلا من الأحلام والرؤى الفردية، وتوسله بالشكل والحركة بدلا من الشكل والكلمة".
ويعني هذا أن مسرح القسوة لدى أرطو مسرح يتبنى التصور السريالي الجماعي، ويمتح من تصورات فرويد السيكولوجية،  وآراء يونگ صاحب اللاشعور الجمعي مادام هذا المسرح يقوم على " تحرير قوى اللاوعي الخلاقة، وتفجير الطاقات الإبداعية الكامنة في الإنسان كما نقرأ ذلك في قاموس الآداب: " لقد شغف أرطو بالظواهر الغيبية (الميتافيزيقية) وطرائق السحر عند الشعوب البدائية، وبعلم الكيمياء ووسائل التنجيم في الشرق...وحالات الهوس والشعوذة... هذا العالم اللامعقول، انخرط فيه أرطو جسدا وروحا.
ويجب أن نعترف هنا، بأن مثل هذه التدريبات التي كان يمارسها أرطو لم يكن السرياليون الآخرون يطيقونها إلا بشق الأنفس. ومن ناحية أخرى، كان ذلك هو السبب الجوهري للقطيعة التي فرقت بين أرطو وبين بريتون " بايا السريالية"، كما كانوا يلقبونه."
 أضف إلى ذلك، أن مسرح القسوة أو العنف هو مسرح يقلل من سيطرة الكلمة والحوار، ويستبدلهما بسينوغرافيا الحركة والجسد، كما أنه مسرح ميتافيزيقي أنتروپولوجي يبحث في الأشكال ماقبل المسرحية  لخلق مسرح عالمي طقوسي روحاني وأسطوري وسحري. ويعني هذا أن مسرح أرطو هو مسرح احتفالي طقوسي وصوفي يستعير الفرجات الشرقية لتطعيم المسرح الغربي، ويقترب هذا التصور من المسرح الثالث للمسرحي الإيطالي  أوجينيو باربا. ومن هنا، كان مسرح أرطو وتنظيراته في كتابه" المسرح وقرينه" من المصادر الأساسية للمسرح الاحتفالي والنظرية الاحتفالية كما وضح ذلك عبد الكريم برشيد بقوله:"  المرجع الثالث للاحتفالية يتمثل في الكتابات النظرية والإبداعية لأنطونان أرطو، فهذا المخرج المنظر قد بشر- من خلال كتابه" المسرح وقرينه"- بمسرح مغاير، مسرح طقوسي سحري بدائي يخاطب في الإنسان لاوعيه الباطن. وقد سعى إلى المطابقة بمسرح يتخذ صفة الاحتفال السحري، بل الصوفي".
ومن المعروف أن القسوة عند أرطو ليس بمعنى الدم أو  بمعنى السادية أو المازوشية، بل هو قمع للغرائز البشرية وتحريرها من قواها السلبية عن طريق تعريتها عبر القسوة الذهنية  والوجدانية والطقوسية. يقول أرطو في هذا المقام:" القسوة، جلية قبل أي شيء،إنها نوع من التوجيه الصارم والخضوع للضرورة، ولا قسوة دون وعي، دون الوعي المطبق، إن الوعي هو الذي يعطي لممارسة كل فعل حياتي لونه الدموي وتدرج تلوينه القاسي، مادامت الحياة هي دائما موت شخص ما".
ومن الدواعي التي جذبته كي يهتم بالمسرح الشرقي هو ميله الكبير إلى الروحانيات والمجردات الميتافيزيقية  والطقوس السحرية الصوفية، والثورة على العقل الغربي الذي دمر الإنسان واستلبه وحوله إلى كائن منتج فقط، وأهمل فيه جوانبه الوجدانية والروحانية والذاتية. كما أن المسرح الغربي هو مسرح يرجح كثيرا كفة الكلمة والحوار على حساب كفة الحركة ولغة الجسد، كما أن المسرح الغربي هو مسرح عقلاني يخضع للقوانين الأرسطية، بينما المسرح الشرقي مسرح طقوسي وسحري ميتافيزيقي، وقد تأثر به كل من بريخت وستانسلافسكي وأوجينيو باربا وگروتوفسكي وماييرخولد. وفي هذا السياق التأثري والتناصي ، يقول جاك دريدا عن أرطو في كتابه " الكتابة والاختلاف" :" لقد أكد أرطو أن على المسرح الغربي الذي يجهل خصوصية المسرح أن يطلب من المسرح الباليني درسا في الروحانيات. هذا الانجذاب نحو الروحانيات الشرقية لم يكن شيئا طارئا على شخصية أرطو وهو الذي عاش تجربة الجنون المريرة، وعرف  باهتمامه بالأديان والفنون الشرقية، واشتهر بانتمائه إلى الاتجاه السريالي . لقد كان في فترة معينة، يشرف على مجلتهم " الثورة السريالية" حيث كتب سنة 1925م معظم مواد العدد الثالث،هذا العدد الذي قيل عنه " إنه تمجيد للشرق وقيمه" لاسيما وأنه تضمن مقالتين لأرطو: خطاب لمدارس بوذا، وخطاب لدالاي لاما. ولعل من يقرأ مقطعا من هذا الخطاب الأخير، سيلاحظ كيف كان ينظر أرطو إلى الثقافة الغربية وكيف كان يبحث عن الطمأنينة الروحية في الشرق. يقول مخاطبا الدلاي لاما:" نحن خدمك الأوفياء أيها اللاما العظيم، أعطنا، ابعث لنا من نورك في لغة تستطيع فهمها العقول الأورپية الملوثة، وإن كان ضروريا، غير من أرواحنا واجعل لنا أرواحا تتجه إلى العلي الأسمى، حيث أتيحت له فرصة حضور الإنسان من العذاب".
إن ارطو الذي أتيحت له فرصة حضور عرض للرقص الباليني في معرض المستعمرات سنة 1931م، عرف كيف يجعل من عشقه للشرق أداة لتدمير المسرح الغربي الذي يبدو كمسرح " أبله، مجنون، منقلب"، وتدمير الثقافة الغربية التي غالبا ماكان يصفها بأوصاف عنيفة حيث اعتبرها " قبرا مدهونا بالجير" و" مكانا للكلاب والفكر المتعفن"".
وعليه، فأرطو من أهم المخرجين العالمين الذين اعترفوا للشرق بالريادة في المسرح الذي يغاير المسرح الغربي قلبا وقالبا عبر خلق مجموعة من الفرجات الاحتفالية الطقوسية الحركية التي يختلط فيها المسرح الحركي مع الدين والتصوف والسحر والفلك والتنجيم والميتافيزيقا.

3/ التطبيقات الإخراجية:
كتب أنطونان أرطو بعض المسرحيات بعد انفصاله عن التيار السريالي الفردي سنة 1926م ، والذي كان يتزعمه كل من بريتون BRETON ولوي أراغون LOUIS ARAGON وگيوم أپولينير GUILLAUME APPAULINAIRE  صاحب مسرحية" أثداء تريسياس" التي ألفها سنة 1917م ، وسماها بالدراما السريالية.
ومن المسرحيات التي كتبها أرطو  بعد إنشائه " مسرح ألفريد جاري" مع صديقيه: روبير أرنو وروجيه ﭭيتراك سنة  1927 م نذكر مسرحية :" اضطرابات في المعدة أو الأم المجنونة".
وأخرج أنطونان أرطو مسرحيته" السنسي" التي  أخذها عن الشاعر الإنجليزي شيللي والروائي الفرنسي ستاندال ، فجاءت ترجمة لأفكار ألفريد جاري الباتافيزيقية عن طريق تجريد النص وتقويض الشعرية الأرسطية، واستخدام الحركية المحضة، بيد أن أرطو فشل في هذه المسرحية من حيث الإخراج والتعبير عن آرائه التنظيرية؛ مما حدا بأرطو " إلى أن يبحث في الحياة  نفسها عن المسرح الذي رفض المسرح أن يقدمه له، فانتهى به المطاف إلى قضاء أيامه في مصحة للأمراض العقلية".
ويقول هنري بيهار عن تأثر أرطو بمسرح ألفرد جاري في مسرحية" السنسي":" على شاكلة جاري كان أرطو يعلن ازدراءه لطرق الإخراج المسرحي القديمة، ويحمل مثله على المسرح التقليدي، الذي يراه مصطنعا يخضع لقواعد وأعراف لاضرورة أساسية لها. كان الهدف المطلق من وراء مسرح ألفريد جاري هو المشاركة في تدمير المسرح القائم، وذلك عن طريق وسائل مسرحية، أي من الداخل، كما فعل مؤلف: أبو ملكا".
ويرفض أرطو في مسرحه أن يصبح العرض الدرامي مجرد دراما طبيعية أو نفسية أو مجرد فرجة  للتسلية وإثارة الفكاهة، بل لابد من أن يستفز المشاهد ويستثيره بعنف، ويستدعيه للمشاركة والاحتفال الطقوسي، ولا يجعله راصدا مستلبا وسلبيا . بل عليه أن يحركه بقسوة ويحرر فيه وعيه الباطن، ويخلصه من غرائزه الدفينة ويطهره طقوسيا وصوفيا وروحانيا. وكان أرطو ورفاقه يرون أن المشاهد" الذي يذهب إلى المسرح ينبغي أن يعرف أنه مقبل على عملية حقيقية، يشترك فيها بروحه وجسده، كأنها عملية جراحية، وينبغي ألا ينصرف كما جاء"
وتتحول السينوغرافيا المسرحية لدى أرطو إلى سينوغرافيا احتفالية طقوسية سحرية وميتافيزيقية على غرار السينوغرافيا المسرحية الشرقية، وفي هذا يقول هنري بيهار:" إن منصة التمثيل في تصور أرطو تشبه إلى حد ما لوحة غيبية ميتافيزيقية من لوحات المصور دي شيريكو، صورت فيها الجمادات دون صفة خاصة، ولكن وضعها، وأحيانا وجودها غير المتوقع، يثير اضطرابا عميقا عند المشاهد، الذي يكون تحت تأثير ذلك الجو الغامض، الذي نتوقع فيه دائما حدوث انفجار معين".
وكان أرطو يتحكم في الممثلين ويحولهم إلى كائنات احتفالية متحركة مع مسار التنغيم وتوالي الاهتزاز وإيقاع الإخراج   حتى قبل أن يعرف المسرح  الشرقي الباليني سنة 1930م. وبالتالي، فمسرح أرطو بعيد عن كثرة الحوار والكلام كما هو في المسرح الغربي، بل هو مسرح شامل يعتمد على الحركة والكوليغرافيا والتشخيص التعبيري الجسدي. لذا، يقول أنطونان أرطو:" في رأيي إن المنصة مكان مادي ملموس، يحتاج منا أن نملأه وأن نجعله يتكلم لغته المادية التي تخاطب الحواس مستقلة عن الكلام.... كما أن الإخراج هو المسرح أكثر من النص المكتوب والمنطوق....بينما قرين المسرح هو الواقع المهمل المهجور، الذي لايستعمله رجال المسرح اليوم..."
وعليه، فمسرح أرطو يعطي الأولوية للإخراج على حساب النص المكتوب، ويقلل من سلطة الكلمة والحوار، ويعوض ذلك بالفن الشامل القائم على الحركة والأساطير والفضاء المادي الملموس وتشغيل الملاهي والسيرك والسينما والموسيقا والرقص واستعمال الأداء الصامت والضوء والديكور والسينوغرافيا السحرية الطقوسية.

4/ قيمة مسرح أنطونان أرطو:
يقوم مسرح أنطونان أرطو على هدم المسرح الغربي وتقويضه، والتمرد عن مسرح الكلمة وتعويضه بالمسرح الشامل أو مسرح الحركة، والارتكاز على مسرح القسوة ومسرح الأسطورة بدلا من مسرح الحلم كما عند السرياليين، والانفتاح على المسرح الاحتفالي الشرقي الطقوسي والديني والروحاني المبني على الشعوذة والسحر واللاشعور الجماعي والرقص الحركي. بيد أن تنظيرات أنطونان أرطو  بقيت مجردة دون أن تطبق ميدانيا، فمات دون أن يرى تنظيراته الإخراجية تمارس واقعيا.
وعلى الرغم من " أن الجمالية المسرحية الآرطية كانت في مجملها تصورات نظرية أكثر من كونها ممارسة ركحية، فقد استطاعت أن تحدد القاعدة الفكرية التي قامت عليها، واللغة المسرحية التي اقترحت لها بنوع من التناسق والتكامل، الشيء الذي أبرز جانب التنظير فيها بكثير من الوضوح، زاد من إجرائيته، أي هذا الجانب التنظيري. إن أرطو حدد مبادئ ممارسة هذا المشروع المسرحي على مستوى النص والإخراج والتمثيل والتلقي/الجمهور، وما يستدعي ذلك من خصوصية في الموضوعات، ومواصفات فضاء العرض، مرورا باللغة والملابس والديكور والإضاءة والملحقات والأقنعة، وكل عناصر العرض المسرحي التي تتوحد- على الرغم من عدم تجانسها- في كونها أسلوبا جماليا مسرحيا يقوم على تفجير كوامن الذات داخل فضاء مسرحي متحرك ومتجدد.
وإذا كان أرطو قد مات قبل تحقق تنبؤاته المسرحية، وقدم مسرحه تقديما نظريا أكثر منه ممارسة ركحية، فإن قوة جماليته المسرحية جاءت من الأثر والتأثير اللذين تركهما على  لاحقيه من كتاب ومخرجين، وهو ما أعطى لهذه الجمالية نوعا من الامتداد".
وتبقى قيمة أنطونان أرطو أنه من المنظرين المسرحيين الكبار في القرن العشرين، كما أن له تأثيرا كبيرا على السريالية الفرنسية. ويعد أيضا من المسرحيين القلائل الذين تمثلوا جيدا مسرح ألفرد جاري صاحب المسرح الباتافيزيقي تمثلا جيدا تنظيرا وتطبيقا، كما أثر أرطو أيما تأثير في كتابات مسرحيي اللامعقول وكتاب المسرح العابث والكوميديا السوداء والمسرح التجريدي المطلق بعد الحرب العالمية الثانية كصمويل بيكيت، وآداموف، ويونيسكو، وفرناندو أرابال . وتقول الدكتورة نهاد صليحة عن هذا التأثير:" والدارس لمسرح يونيسكو لايمكن أن ينكر وجود ملامح من السريالية في أعماله. لقد رفعت السريالية من شأن الأحلام والعقل الباطن التي يمكن أن نكتشف فيها الإنسان بمعناه الكامل، ويونيسكو يستخدم الأحلام بكثرة في مسرحه وهو أيضا يتبع أسلوب المسرح السريالي كما ظهر في الأعمال المسرحية القليلة التي أثمرتها الحركة السريالية مثل: مسرحيات روجيه ﭭيتراك، وأنطونان أرطو،وريبيمون ديساني، ذلك الأسلوب الذي يحافظ على التفاصيل الواقعية حتى التافه منها بدقة شديدة مع إدخال عناصر لاتمت إلى الواقع بصلة وتنتمي أساسا إلى عالم الكوابيس!
وعلى الرغم من ذلك، فقد أنكر يونيسكو صراحة انتماءه للحركة السريالية أو تأثره بها! إذ قال:" لم يحدث أنني انتميت في أي وقت إلى هذه المجموعة ولا انضممت إلى السرياليين الجدد. وهذا لاينفي أن أفكارهم أثارت اهتمامي".
وتكمن قيمة مسرح أرطو في تأثيره الجلي على  المدرسة  السريالية شعرا وتنظيرا ومسرحا، كما أثر في مسرح اللامعقول والمسرح الطليعي  والمسرح العابث تأثيرا كبيرا  صياغة ودلالة عبر مسرحه الذي سماه بمسرح ألفرد جاري. ولا ننسى أن المسرح العربي بدوره قد تأثر به أيما تأثر وخاصة المسرح الاحتفالي لدى عبد الكريم برشيد على سبيل الخصوص.
خاتمـــــة:
يتبين لنا من خلال هذه النظرة الموجزة المقتضبة أن أنطونان أرطو مخرج مسرحي عالمي استهدف تدمير بنية المسرح الغربي عن طريق إخراجه من طابعه الحواري التداولي إلى مسرح ركحي حركي ، كما وجهه وجهة ميتافيزيقية أسطورية قائمة على الشعوذة والسحر والتنجيم والفلك والتصوف وتوظيف الاحتفال الشرقي الروحاني من أجل تأسيس مسرح مغاير.
أما من حيث الإخراج، فقد اعتمد أرطو على مسرح القسوة وإشراك الراصد في عملية التمسرح عن طريق إثارته واستفزازه بالعنف وتحريره من كوابيسه وغرائزه السلبية الدفينة في وعيه الباطني ولاشعوره الجمعي عن طريق تطهيره روحانيا وطقوسيا ودينيا بواسطة حركات مسرحية إيقاعية قائمة على التموج والصراخات الصاخبة والحركات الطاعونية العنيفة  وتشغيل إيقاع الاهتزاز وهارمونيا الانسجام الدرامي وتنغيم الإخراج تشخيصا وسينوغرافيا وتقبلا.
................
الهوامش:
  - د. حمادة إبراهيم، بانوراما المسرح الفرنسي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى 2002م،مصر، القاهرة، ص:124؛
  -   د.حسن يوسفي: المسرح والأنتروپولوجيا، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000م، ص:97؛
  - حمادة إبراهيم: بانوراما المسرح الفرنسي، ص:127؛
  - د. نهاد صليحة: المدارس المسرحية المعاصرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة 1986م،ص:70؛
 -  د. حمادة إبراهيم، بانوراما المسرح الفرنسي، ، ص:124؛
  - عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1985م، ص:164-165؛
  - A.ARTAUD: Le théâtre et son double, Gallimard, Paris, 1964, p:158-159;
  - د.حسن يوسفي: المسرح والأنتروبولوجيا، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000م، ص:97-98؛
  - د. حمادة إبراهيم، بانوراما المسرح الفرنسي،ص:125؛
  - د. حمادة إبراهيم، نفس المرجع، ص:125؛
  -  د. حمادة إبراهيم، نفس المرجع، ص:126؛
 -  د. حمادة إبراهيم، نفس المرجع،ص:126؛
 -  د. حمادة إبراهيم، نفس المرجع، ص:127-128؛
  - د.عبد المجيد شكير: الجماليات المسرحية، دار الطليعة الجديدة، الطبعة الأولى 2005م، دمشق، سوريا، ص:45-46؛
  - د. نهاد صليحة: المدارس المسرحية المعاصرة، ،ص:128-129.

Léonard de Vinci, peintre de mouvement

0 التعليقات
L’œuvre de Léonard produit chez beaucoup d’entre nous l’effet qu’il décrivait lorsqu’il se trouvait lui-même devant l’entrée sombre d’une grotte : « Après un certain temps, surgirent en moi ensemble, peur et désir : peur de la grotte menaçante et sombre, désir de voir si elle renfermait des choses extraordinaire » (Codex Arundel 155r).
Cette crainte « d’entrer » dans l’œuvre de Léonard émane d’un extraordinaire sens de mouvement, quasiment devenu signature de son oeuvre. C’est cette impression puissante qui harcèle nos certitudes empiriques car elle menace de nous emporter d’un coup « vers des contrées dont on ne reviendra plus jamais », c’est-à-dire de nous confronter à notre propre créativité, un lieu très souvent à peine exploré.
Mais d’où lui est venu cette « vision » du mouvement ? En lisant Diogène Laërce, Léonard a pu s’appuyer sur « l’obscur » philosophe pré-socratique Héraclite, pour qui « c’est le mouvement qui crée toute l’harmonie du monde ».

Durant la deuxième période milanaise, décryptant les textes latins avec l’aide de l’élève de Piero della Francesca, Fra Luca Pacioli, Léonard a pu se reconnaître dans les idées de Nicolas de Cuse. Pour le Cusain, le monde n’est que dé-veloppement (dépliement) [ex-plicatio] de cette puissance d’en-veloppement [com-plicatio] d’un Dieu qui est éternité et embrasse la succession de tous les instants. Pour Cuse, complicatio et explicatio forment un même mouvement qu’est le passage de la puissance à l’acte, de l’unité à la multiplicité.

Grâce à cette compréhension « métaphysique » du mouvement, le peintre arrive à un concept assez avancé du temps et de l’espace : « Décrivez la nature du temps comme distinctes des définitions géométriques. Le point n’a pas de partie ; la ligne est le transit du point et les points sont les termes de la ligne. L’instant n’a pas de temps ; le temps se fait dans le mouvement de l’instant et les instants sont les termes du temps. » (Codex Arundel, 176r).

Il dit encore : « Un point n’a pas de centre. Il n’a ni largeur, ni longueur, ni épaisseur. Une ligne est une longueur crée par le mouvement du point et ses extrémités sont des points. Une surface est engendrée par le mouvement transversal de la ligne et son extrémité est une ligne.(une surface n’a pas d’épaisseur). Un corps est une quantité formé par le mouvement latéral d’une surface et les surfaces forment ses extrémités » (Codex Arundel, 159v).


Figure 1

Mais surtout, l’amour optimiste de la dynamique d’un monde harmonieux en changement perpétuel va nourrir chez Léonard des intuitions analogiques et des hypothèses extrêmement audacieuses, que nous appelons aujourd’hui « géniales ». Par exemple, il dira : « Le mouvement de l’eau dans l’eau se comporte comme celui de l’air dans l’air ».
Nombreux sont ceux qui ont pu admirer les magnifiques études de tourbillons dans l’eau, ce tourbillon qu’on a parfois stupidement identifié comme la « forme symbolique » de sa vision du monde (Figure 1).

Notons qu’un tourbillon en forme de spirale est précisément le type même d’un « mouvement stable » et que c’est la beauté de son ordonnancement qui fascina Léonard bien plus que sa forme en tant que telle ! Cette forme spiralée, l’artiste la saisit dans le vol des oiseaux (Figure 2), dans le comportement du sang quand il coule dans les valvules de l’aorte ou dans la forme de certaines plantes comme l’Etoile de Bethlehem (Figure 3), sans oublier les mouvements de danseurs ou des boucles de cheveux...(Figure 4).


Figures 2 et 3

L’acte esthétique devient ici un lieu festif où approche intellectuelle et intuition poétique rejoignent science et art, car chaque observation devient une occasion unique pour déceler et communiquer le frémissement de ce « mouvement originaire » permettant à l’artiste de « rendre visible l’invisible ». Préoccupé par les formes du mouvement et le mouvement des formes, le peintre devient un « morphologiste », le scientifique qui fixe graphiquement les transitions continuelles, « le rythme » du mouvement, ou les « mutations » comme il les appelle.

Par exemple une simple étude anatomique devient une décomposition « cinétique » en huit phases, accompagné d’un double mouvement : celui d’un bras qui se lève pendant que le torse est en rotation (Figure 5).

Figure 4

Au-delà du mouvement du corps, Léonard chercha à exprimer les « mouvements immatériels » qu’il classe en cinq catégories. La première « est appelée temporelle parce qu’elle n’a trait qu’au mouvement du temps, et elle embrasse toutes les autres ». Les autres sont la diffusion des images par la lumière, celle des sons et des odeurs, le mouvement « mental » et le mouvement qui anime « la vie des choses » (Codex Atlanticus, 203v-a).

Amoureux et conscient de la richesse infinie de l’univers, Léonard ne peut pas se satisfaire de simples règles mathématiques ou de perspectives linéaires contre lesquelles il se révolte.
Moment de transformation d’entre-deux

Figure 5

Mais alors, comment peindre ce mouvement-là, ce souffle de la vie ? Formellement c’est totalement impossible car dès qu’on attrape une forme, la vie s’en échappe comme celle d’un papillon qu’on épingle !

Pour y parvenir, sculpteurs, poètes et peintres doivent créer une ironie, une ambiguïté que Lyndon LaRouche a exprimée en anglais comme mid-motion (un « moment d’entre-deux »).

Pourtant, si l’on analyse une série de prise de vues rapides d’un cheval qui court, la plupart de photos laissent apparaître un cheval qui s’effondre. Il ne faut donc pas concevoir ce moment d’entre-deux comme une simple séquence photographique d’un mouvement linéaire, mais comme un point spécifique de transformation d’un mouvement. En conséquence, affinons ce concept en y ajoutant le mot « changement », pour en faire « mid-motion-change » (moment de transformation d’entre-deux) : c’est-à-dire le point d’inflexion ou une infinité de mouvements, de préférence imprévisibles, apparaissent comme une réalité crédible acculant le spectateur devant l’incertain, l’obligeant à s’interroger sur ce qui pourrait bien se passer.

Voilà le principe à l’origine de la grande sculpture grecque, facilement identifiable dans cette représentation de la déesse de la Victoire Niké déchaussant sa sandale (Figure 6), ou dans la statue « flottante » de Niké, présente à l’exposition de Bonn en 2002, et dont on ne peut affirmer avec certitude si elle monte ou descende (Figure 7)

Figures 6 et 7

Figure 8
Tout cela montre comment utiliser le mouvement du corps pour exprimer le mouvement de l’âme. De même, si nous observons attentivement cette statue d’un conducteur de char qui s’appelle l’Aurige de Delphes (Figure 8), nous constatons que la figure, bien que d’apparence statique, est conçue également à partir du concept d’un moment de transformation d’entre-deux, l’artiste ayant tenté de capter la tension extrême de l’ultime instant avant que le cocher ne mette les chevaux en mouvement, comme le souligne l’expression des yeux (Figure 9).
Ne nous fions donc point aux formes trompeuses, mais regardons bien l’intention, l’idée.
Le caractère isochrone de la peinture et de la sculpture oblige les artistes à faire appel à cette ruse : en mettant deux images en analogie, en opposition ou en parallèle, l’artiste présente un paradoxe métaphorique qui oblige l’esprit du spectateur à reconstruire dans son esprit l’unité du mouvement qui permet de rendre le tout cohérent. La découverte de cette idée, comme le résultat d’un mouvement de notre esprit nous permet de rencontrer, c’est-à-dire d’entrer en dialogue avec l’étincelle créatrice de l’artiste et d’accepter son don.
Saint Jérôme

Figure 9

Regardons un instant le Saint-Jérôme de Léonard au Vatican (Figure 10). Pour exprimer la violente bataille de Saint-Jérôme face à la tentation dans le désert, l’artiste le présente agenouillé, comme en prière. Mais cette tranquillité de la prière est brutalement interrompue par le combat intérieur. Le mouvement dramatique du maigre corps est partagé entre deux pôles : la main gauche effectue un geste gracieux et détendu soutenant l’expression du visage qui s’incline devant le dessein de Dieu. Mais, radicalement à l’opposé, le bras droit se prête à frapper violemment, à l’aide d’une pierre la poitrine dont les fibres sont tendues à l’extrême.
La force vivante que nous ressentons résulte de cette opposition entre deux mouvements totalement contraires. Sans la tension extrême de l’un, pas de grâce dans l’autre.

Figure 10

Ce paradoxe acquiert une dimension supplémentaire grâce au lion. En général, le lion apparaît comme l’incarnation de la force domestiquée, puisque Jérôme, lui ayant ôté une épine de la patte, en avait fait un compagnon. Ici, l’histoire est différente. Confronté à la lutte intense de Jérôme contre la bestialité de la tentation du terrestre, le lion se sent menacé, se dresse, rugit et semble craindre d’être frappé par la pierre. Ici, Jérôme est au coeur de son combat intérieur : abandonner ou gagner la bataille, ce qui jette un autre défi au spectateur.

Pour développer le concept de « mouvements immatériel », on ne peut pas échapper à la Joconde (Figure 11). Ce tableau est devenu emblématique, non seulement pour Léonard, mais pour l’art classique en tant que tel. Comme on le voit avec cette reproduction (Figure 12), jusqu’au début des années 70, il était quasiment obligatoire pour chaque artiste moderne de se livrer à un « viol » symbolique de la Joconde pour se faire accepter dans la profession.

Mais peut on imaginer une difficulté plus grande que d’exprimer le « mouvement de l’âme » à partir d’un modèle assis, peu agité par des mouvements musculaires ?

Figure 11

Un dessin de Raphaël (Figure 13) d’après les premières esquisses de Léonard nous donne une idée du concept initial que Léonard a amélioré pendant des années. Loin de la belle symétrie du portrait de Ginevra de Binci de 1474 (Figure 14), c’est, trente ans plus tard, un visage rempli de paradoxes énigmatiques qui a pris la place. Ainsi, un coté de la bouche sourit, l’autre, moins ; un oeil est sérieux, l’autre amusé, un oeil vous regarde, l’autre regarde au-delà, etc. Mais ce n’est que le début. Si l’on compare au croquis de Raphaël, le balcon de la loggia est beaucoup plus bas et la perspective du paysage a pris des dimensions incroyables engendrant toute une série d’horizons inégaux qui finissent par être plus bas à gauche qu’à droite.
Léonard provoque ici notre esprit et nous oblige de réfléchir sur la mobilité de nos globes oculaires. N’élaborons-nous pas la perspective dans notre esprit lorsque nous orientons ces avant-postes de notre cerveau dans une direction donnée ? Plusieurs explications « rationelles » ont été concoctées pour évacuer la dimension paradoxale du paysage. Par exemple, on « croit savoir » qu’à l’époque de l’élaboration du tableau, Léonard travaillait sur le projet de détournement de la rivière Arno, qui possédait en des temps immémoriaux deux lacs de montagne, disparus depuis par la force de l’érosion.

Figure 12

Donc les voilà ! Et la Joconde devient du coup une espèce de déesse de la mère terre en charge de la régulation des eaux, c’est-à-dire de la fertilité du monde ! Ou cette autre proposition : il n’y a pas de problème, pas d’ambiguïté, surtout ne vous inquiétez pas ! La Joconde cache avec son corps un barrage construit par Léonard permettant de retenir l’eau à droite et de le transférer à gauche d’un bassin à l’autre !
Mais une piste beaucoup plus intéressante nous vient des peintres chinois, comme ce tableau qui s’appelle Fête pour invoquer la pluie de Dong Yuan (Figure 15), peint aux alentours de la fin du dixième siècle, c’est-à-dire presque cinq cents ans avant Léonard. Il est intéressant de savoir que le mot chinois pour « paysage » est « montagne-eau », et qu’en effet, les recherches géologiques de Léonard sur l’interaction de la terre, de l’air, de l’eau, des nuages et de la pluie lui ont certainement fait apprécier ce type de peinture.

Figures 13 et 14

L’entre-deux du sourire de la Joconde combiné avec l’entre-deux d’une perspective à horizons multiples du type chinois crée un tel mouvement qu’il est capable de rendre fous tous les aristotéliciens de la terre, tout en continuant d’intriguer les esprits ouverts des nouvelles générations. Il est regrettable que Raphaël n’ait pas mieux su exploiter le sujet que ce qu’il en a fait dans la Maddalena Doni de 1505 (Figure 16).
Figure 15

Nous sommes évidemment très loin, voir à l’opposé de l’art pré-baroque d’un Michel-Ange à qui on a attribué à tort « l’invention du mouvement dans l’art » au détriment de Léonard. Dans un effort délibéré de ne pas créer de mouvement de l’esprit, cet art, devenu propagande pour la contre-réforme, apparaîtra comme la mise en scène théâtrale de cadavres de cire. Dans un retour au pur goût romain, redevenu tendance suite à la découverte du Laocoon en 1506, on y redoublera le mouvement des masses musculaires comme un support visuel à des allégories et des symbolismes.


Figure 16

Bien que Léonard n’ait jamais critiqué ouvertement ce courant, on a du mal à ne pas penser à la Chapelle Sixtine quand on lit : « ne donne pas à tous les muscles des figures un volume exagéré » et « si tu agis différemment c’est davantage à la représentation d’un sac de noix que tu seras parvenu qu’à celle d’une figure humaine » (Codex Madrid II, 128r).
La bonne nouvelle consiste à se rendre compte que Léonard n’a peint, dans toute sa vie, qu’une trentaine de tableaux, dont quatorze seulement ont survécu, alors on peut lancer ce défi : si chaque personne qui lit cet article met à profit le reste de ses jours pour ne faire qu’un seul tableau de qualité, alors cette nouvelle renaissance dont nous parlons deviendra plus que des simples paroles.

Karel Vereycken

La peinture

0 التعليقات
La peinture est une forme d'art consistant à dessiner une surface en y appliquant esthétiquement des fluides colorés. Les artistes peintres représentent une expression personnelle sur des supports tels que le papier, la toile, le bois, le verre, le béton et bien d'autres subjectiles.